دعوة لسوريا المكلومة






(اللّهم إنّ بشار و اهل سوريا عبيد من عبيدك ، نواصيهم بيدك ، تعلم مستقرّهم ومستودعهم ،
وتعلم منقلبهم ومثواهم ، وسرّهم وعلانيتهم ، ومطلع على نيّاتهم ، وتحيط
بضمائرهم ، علمك بما يبدونة كعلمك بما يخفونه ، ومعرفتك بما يبطنونه كمعرفتك
بما يظهرونه ، ولا ينطوي عليك شيء من أمرهم ، ولا يستتر دونك حال من
أحوالهم ، ولا لهم منك معقل يحصنهم ، ولا حرز يحرزهم ، ولا هارب يفوتك منهم . 

ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه ، ولا يجاهدك عنه جنوده ،
ولا يغالبك مغالب بمنعة ، ولا يعازّك متعزّز بكثرة أنت مدركه أينما سلك ،
وقادر عليه أينما لجأ ، فمعاذ المظلوم منهم بك ، وتوكّل المقهور منهم عليك
، ورجوعهم إليك ، ويستغيثون بك إذا خذلهم المغيث ، ويستصرخونك إذا قعد عنهم
النصير ، ويلوذون بك إذا نفتهم الأفنية ، ويطرقون بابك إذا أغلقت دونهم الأبواب
المرتجة ، ويصلون إليك إذا احتجبت عنهم الملوك الغافلة ، تعلم ما حلّ بهم قبل
أن يشكونه إليك ، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعونك له ، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً . 

اللّهم إنّه قد كان في سابق علمك ، ومحكم قضائك ، وجاري قدرك ، وماضي حكمك ، ونافذ مشيّتك في خلقك أجمعين ،
سعيدهم وشقيّهم وبرّهم وفاجرهم أن جعلت لبشار عليهم قدرة فظلمهم
بها ، وبغى عليهم لمكانها ، وتعزّز عليهم بسلطانه الذي خوّلته إيّاه ،
وتجبّر عليهم بعلوّ حاله التي جعلتها له ، وغرّه إملاؤك له ، وأطغاه حلمك عنه . 

فقصدهم بمكروه عجزوا عن الصبر عليه ، وتعمّدهم بشرّ ضعفوا
عن احتماله ، ولم يقدروا على الانتصار منه لضعفهم ، والانتصاف منه لذلّهم ،
فوكلته إليك وتوكّلت في أمره عليك ، وتوعدوه بعقوبتك ، وحذّروه  بسطوتك ،
وخوّفوه بنقمتك ، فظنّ أن حلمك عنه من ضعف ، وحسب أنّ إملاءك له من عجز ،
ولم تنهه واحدة عن أخرى ، ولا انزجر عن ثانية بأولى ، ولكنّه تمادى في
غيّه ، وتتابع في ظلمه ، ولجّ في عدوانه ، واستشرى في طغيانه جرأة عليك يا
رب ، وتعرّضاً لسخطك الذي ﻻ تردّه عن القوم الظالمين ، وقلّة اكتراث ببأسك
الذي ﻻ تحبسه عن الباغين . 

فهاهم ذا يا ربي مستضعفين في يديه ،
مستضامين تحت سلطانه ، مستذلين بعنائه ، مغلوبين مبغيّ عليّهم مغضوبين وجلين خائفين
مروّعين مقهورين ، قد قلّ صبرهم وضاقت حيلتهم ، وانغلقت عليهم المذاهب إلاّ إليك
، وانسدّت عليهم الجهات إلاّ جهتك ، والتبست عليهم أمورهم في دفع مكروهه عنّهم
، واشتبهت عليهم الآراء في إزالة ظلمه ، وخذلهم من استنصروه من عبادك ،

واستشرت نصيحي فأشار عليّ بالرغبة
إليك ، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلاّ عليك . 

فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً ، عالماً أنّه ﻻ فرج لهم إلاّ عندك ، ولا خلاص
لهم إلاّ بك ، انتجز وعدك في نصرتهم ، وإجابة دعائي ودعائهم ، فإنّك قلت وقولك الحق
الذي ﻻ يردّ ولا يبدل : ( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ
بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ ) وقلت جلّ جلالك وتقدّست أسماؤك :
( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، وأنا فاعل وإياهم  ما أمرتنا به لا منّاً عليك
، وكيف أمن به وأنت عليه دللتني ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، واستجب لي
كما وعدتني يا من ﻻ يخلف الميعاد . 

وإنّي لأعلم يا رب أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم ، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من
الغاصب للمغصوب ، لأنّك ﻻ يسبقك معاند ، ولا يخرج عن قبضتك أحد، ولا تخاف
فوت فائت ، ولكن جزعي وهلعي ﻻ يبلغان بي الصبر على أناتك وانتظار حلمك ،
فقدرتك عليّ وعليهم يا ربي فوق كلّ قدرة ، وسلطانك غالب على كل سلطان ، ومعاد كلّ
أحد إليك وإن أمهلته ، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته ، وقد أضرّنا يا
ربّ حلمك عن بشار ، وطول أناتك له وإمهالك إيّاه ، وكاد القنوط
يستولي عليّ وإياهم  لولا الثقة بك ، واليقين بوعدك . 

فإن كان في قضائك النافذ ، وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب ، أو يرجع عن ظلمهم أو يكفّ
مكروهه عنّهم ، وينتقل عن عظيم ما فعل ، فقهم شره وصلّ اللّهم على محمّد وآل
محمّد 
وإن كان في علمك به غير ذلك ، من مقام على ظلمهم ، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغى عليه إجابة
دعوتي ، وخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر ،
وأفجئه في غفلته ، مفاجأة مليك منتصر ، واسلبه نعمته وسلطانه ، وأفض عنه
جموعه وأعوانه ، ومزّق ملكه كلّ ممزّق ، وفرّق أنصاره كلّ مفرّق ، وعره
من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر ، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه
بالإحسان ، واقصمه يا قاصم الجبابرة ، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية ،
وأبره يا مبير الأمم الظالمة ، واخذله يا خاذل الفئات الباغية ، وابتر
عمره ، وابتزّ ملكه ، وعفّ أثره ، واقطع خبره ، وأطفئ ناره ، وأظلم نهاره
، وكوّر شمسه ، وأزهق نفسه ، وأهشم شدّته ، وجبّ سنامه ، وأرغم أنفه ،
وعجّل حتفه ، ولا تدع له جُنّة إلاّ هتكتها ، ولا دعامة إلاّ قصمتها ، ولا
كلمة مجتمعة إلاّ فرّقتها ، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها ، ولا ركناً إلاّ
وهنته ، ولا سبباً إلاّ قطعته . 

وأرنا أنصاره وجنده وأحبّاءه وأرحامه عباديد بعد الألفة ، وشتّى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد
الظهور على الأمّة ، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة ، والأفئدة
اللهفة ، والأمّة المتحيّرة ، والبرية الضائعة ، وأدل ببواره الحدود
المعطّلة ، والأحكام المهملة ، والسنن الداثرة ، والمعالم المغيّرة ، والمساجد المهدومة . 

وأرح به الأقدام المتعبة ، وأشبع به الخماص الساغبة ، وأرو به اللهوات اللاغبة ، والأكباد الظامئة ، واطرقه
بليلة ﻻ أخت لها ، وساعةٍ ﻻ شفاء منها ، وبنكبة ﻻ انتعاش معها ، وبعثرةٍ ﻻ
إقالة منها ، وأبح حريمه ، ونغّص نعيمه ، وأره بطشتك الكبرى ، ونقمتك
المثلى ، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة ، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه ،
واغلبه لنا بقوّتك القوية ، ومحالك الشديد ، وامنعهم منه بمنعتك التي كل
خلق فيها ذليل ، وابتله بفقرٍ ﻻ تجبره ، وبسوء ﻻ تستره ، وكله إلى نفسه فيما يريد ، إنّك فعّال لما تريد . 

وابرأه من حولك وقوّتك ، وأحوجه إلى حوله وقوّته ، وأذلّ مكره بمكرك ، وادفع مشيّته بمشيّتك ،
واسقم جسده ، وأيتم ولده ، وانقص أجله ، وخيّب أمله ، وأزل دولته ، وأطل
عولته ، واجعل شغله في بدنه ، ولا تفكّه من حزنه ، وصيّر كيده في ضلال ،
وأمره إلى زوال ، ونعمته إلى انتقال ، وجدّه في سفال ، وسلطانه في اضمحلال
، وعافيته إلى شر مآل ، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه ، وأبقه لحزنه إن أبقيته
، وقهم شرّه وهمزه ولمزه ، وسطوته وعداوته ، والمحه لمحة تدمّر بها عليه ،
فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً ، والحمد لله ربّ العالمين ) . 

اللهم آمين 

No comments